المشروع الفكري الإسلامي من الاجتهادات المتناثرة إلى إسلامية المعرفة
الملخص
التدافع بين الحق والباطل في توجيه المعرفة مسألة قديمة بدأت مع سيدنا آدم عليه السلام وهو في الجنة، حين وسوس إليه الشيطان بغية إخراجه منها حسدا وغرورا، واستمر هذا التدافع طيلة الحقب التاريخية المتعاقبة ففي كل مرة ينجح الشيطان في تحريف المعرفة عن مسارها، يكرس الله سبحانه وتعالى من يرجعها إلى مسارها الصحيح وحيا كان أو بشرا. والمتأمل في الثقافات القديمة يلمس هذا التدافع حتى داخل الحضارة الواحدة، فالثقافة اليونانية بدأت صابئية وثنية ولم تقبل عقيدة الخلق من العدم فأنفق فلاسفتها الأوائل –ما سمي بالفلاسفة الطبيعيين- ردحا من الزمن يثبتون أن أصل الكون هو المادة، استمر الحال هكذا إلى أن جاء فيثاغورس وبين للناس أن هذا الكون الفسيح خلقه الله تعالى من العدم، ثم جاء السفسطائيون وحرفوا المعرفة مرة أخرى عن مسارها الصحيح وأعادوا أصل الكون إلى المادة، وقضوا على كل ما يرتبط بالوحي والسماء، وجعلوا الإنسان مقياس الأشياء جميعا، ثم جاء سقراط وأفلاطون وحاولا إرجاعها إلى نصابها الصحيح. بمجيء الإسلام حصلت ثورة علمية تجاوزت المعرفة القديمة التي كانت تنحصر في مفردات أرسطو وأفلاطون، إلى معرفة علمية جديدة مؤسسة على منهج علمي دقيق، وموجهة توجيها إسلاميا، غير أنها سرعان ما انتقلت إلى الغرب عن طريق المراكز الثقافية الكبرى طليطلة والقستنطينية وتم تصفيتها من كل أبعادها الإسلامية وتوجيهها حسب الديانات التي يعتقدها الغرب، وأوهمنا بأن ما يقوم به من دراسات وأبحاث موضوعية وعلمية والحقيقة غير ذلك، فوصل الإنسان المعاصر بهذه العلوم الموجهة توجيها أيديولوجيا غربيا إلى ما هو عليه من فساد للقيم وحالة من العدمية المطلقة. من هذه المنطلقات جاء مشروع أسلمة المعرفة ليعيد توجيه المعرفة الإنسانية توجيها إسلاميا صحيحا حتى ينقذ البشرية من الفتنة والنكبة والهلاك. ومنه نستشكل: هل المعرفة ذات طبيعة إسلامية؟ إذا كانت كذلك: كيف تم تحويرها وإعادة توجيهها من طرف الغرب حين أمسك بزمام الحضارة؟ كيف نجح الغرب في إيهامنا بأن العلوم موضوعية؟ ما هي الاجتهادات الأولى التي حاولت إعادة توجيه المعرفة توجيها إسلاميا؟ وكيف تبلورت فكرة مشروع إسلامية المعرفة؟ وهل نضجت في جميع أبعادها المعرفية والمنهجية والواقعية؟. تهدف هذه الورقة إذن إلى التعريف بمشروع الفكر الإسلامي في حقبة التوجه إلى جمع الاجتهادات المتناثرة والتأسيس لأسلمة المعرفة أو إسلامية المعرفة.
الحقوق الفكرية (c) 2020 مجلة العلوم الاجتماعية
هذا العمل مرخص حسب الرخصة Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International License.