وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية من منظور مدرسة فرانكفوت.
الملخص
بنى فلاسفة مدرسة فرانكفورت فلسفتهم على رؤية نقدية لواقع المجتمعات المعاصرة، والمتناقضة؛ ففي الوقت الذي عرفت فيه العلوم والتكنولوجيات تطورات خارقة وسريعة، شهدت العلاقات الإنسانية إنتكاسا خطيرا بلغ حالة من الفوضى والبدائية والعنف الذي شكّل تهديدا لدلالة الإنسان وقيمته ووجوده، في ظلّ مجتمع تفاقمت فيه أمراض اجتماعية كالانطوائية، والانغلاق، والتعصّب، والاغتراب المفضي. ولعلّ الغريب في الأمر أنّه في الوقت الذي تطوّرت فيه وسائل الاتصال الأمر الذي يعني إمكانيات أفضل للتواصل الإنساني، نجد أنّ العلاقات الإنسانية دخلت في مرحلة من الفتور، وصار المجتمع يعاني من تمزقات داخلية، بسبب تفشي النزعة الفردانية والاحتكار والأنانية والمنافسة غير الشريفة التي تسخر لها كل الوسائل الأكثر تطرفا أخلاقيا.، فإن نمط الحياة المعاصرة لم يعد يستوعب الشرط الإنساني، بقدر ما صار يقيّم الإنسان وفق آليات تقييم الأشياء والسلع، ولذا لن يكون غريبا أن يتحوّل السلوك الثقافي إلى نوع من الانعكاس القاسي لما آل إليه العقل المعاصر. لقد كانت من مهام هذه المدرسة نقد العقل الحديث من أجل فهم الأسباب الحقيقية التي أدّت بالإنسان المعاصر إلى السقوط في دائرة اللاعقلانية، وبروز نمط جديد من العقلانية المتواطئة مع الايديولوجيا التقنية وهي ما تسمى بـ (العقلانية الأداتية). ذلك “العقل الذي يستخدم كأداة لبلوغ المنفعة ، عقل براغماتي يتلخص همه الوحيد بمضمون ما ينتجه أو بقيمته، بمعنى آخر إن احتقار العقل الفعّال، سيؤدي بالضرورة إلى تراجع مفهوم (العقل الأصيل)، إن لم نقل تدميره”. هذا يعني أن العقل الحديث قد انحرف برسالته إلى أهداف تخدم القوة وايديولوجيات السيطرة والهيمنة.
الحقوق الفكرية (c) 2014 مجلة العلوم الاجتماعية
هذا العمل مرخص حسب الرخصة Creative Commons Attribution-NonCommercial 4.0 International License.