التراث وكيفية الاستعانة به من أجل بناء سوسيولوجية مغاربية
الملخص
بعد هذا العرض لمسألة التراث و كيفية التعامل معه لبناء علم الاجتماع المغاربي معبرا بصدق عن واقع هذه البيئة الاجتماعية الثقافية ، يظهر لنا جليا أن هناك إهمال واضح للتراث داخل هذه الأقطار ، و هذا الإهمال ناتج عن التقصير و اللامبالاة من طرف المشتغلين بعلم الاجتماع ، حيث عملوا على الإستراد الكلي للسوسيولوجية الغربية ، و ذلك لإخفاء قصورهم باسم عالمية هذا العلم من جهة ، و كزن السوسيولوجيا علم غربي حديث لا علاقة له بتراثنا العربي و الإسلامي . كما ساهم السلفيون في إضعاف و غياب التراث العربي و الإسلامي في النهوض بالعلوم بشكل عام و علم الاجتماع بشكل خاص ،و هذا يرجع إلى إعطائهم التراث الطابع التقديسي و سجنه في المتاحف و رفض إخضاعه للواقع و مستجداته. و كما يقول محمود أمين العالم " و الحق أن تراثنا العربي القديم ...مازال منفصلا عن وجداننا الحاصر و مازلنا محرومين من أن نعيشه و نتحد به في حركتنا الفكرية ، فهو جزء فحسب من مناهج الدراسة الأكاديمية المتخصصة ، و إنها لمسؤولية جليلة أن يصبح غذاء يوميا في المعركة الفكرية و الوطنية الراهنة التي تخوضها شعوبنا العربية (60).و عليه تبقى مسألة التراث من المسائل المحورية في عملية بحث الفكر المغاربي عامة و السوسيولوجي خاصة ، و لن يتأتى هذا بتمجيد التراث أو مقاطعه ، بل تتطلب هذه العملية الروح المسؤولة و الصادقة في إعادة قراءة هذا الماضي للخروج بما يمكن أن يفيد في عملية البناء و الإبداع . و لن يتحقق هذا إلا بأن نصع هذا التراث موضعه الصحيح و من حياتنا ومن تاريخنا ، فما أكثر المحاولات التي قامت به لإستي لاب هذا التراث منا ، و تشكيكنا في قيمته و حرماننا من ثمرة جهود علمائه الأجلاء و من السعي في تطويره و الامتداد به (61). و عليه يبقى التراث حتمية لا مفر منها إن أردنا فعلا الخروج من التبعية و من النفق المظلم للتخلف و ختاما لهذا الفصل نقول بأنه قد حان الأوان للتعامل بجدية و عقلانية مع التراث من إيجابيات و سلبيات ، و إعادة قراءة تاريخنا القديم و الوسيط و حتى الحاضر كذالك حان الوقت لتقييم تجربة أجدادنا و الأخذ بما هو نافع و توظيفه في بناء فكر أصيل معبر بصدق عن طموحات جماهيرنا الواسعة ، فإحياء التراث لن يتم إلا إذا قمنا كما يقول محمد أركون "تحقيق النصوص القديمة أولا ، كيف يمكن أن نحي التراث و نعيد تفسيره من جديد على ضوء المنهجيات الحديثة دون أن تكون لدينا طبعات دقيقة وواضحة عن كل مخطوطاته ، بعدئذ اكتشاف مجال التاريخ الاجتماعي و تاريخ العقليات و علم النفس التاريخي ...إلخ هذه علوم هامة جدا و لم نستخدم بعد في إضاءة التاريخ العربي لإسلامي(62). و بهذه الكيفية وحدها يمكن إعادة الاعتبار الفعلي للتراث و الاستفادة منه في بناء الحاضر ، حاصر يمزج بين الأصالة و العصرنة دون أي تناقص أو صراع .